وذلك في الإخبار عن الماضي أو المستقبل ويدخل فيه الوفاء بالوعد ولهذا الصدق كمالان:
1-الاحتراز عن المعاريض إلا لضرورة كالحذر من الظلمة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها. وفي الإصلاح بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً أو ينمي خيراً".
وضعي الإصبع على الدائرة وقولي ليس هو ها هنا.. فاحترز بذلك عن الكذب ودفع الظلم عن نفسه.
2-أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه كقوله: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض".
فإن قلبه إن كان منصرفاً عن الله تعالى مشغولاً بأماني الدنيا وشهواته فهو كذب، وكقوله: "إياك نعبد".. فإنه إذا لم يتصف بحقيقة العبودية، وكان له مطلب سوى الله لم يكن كلامه صدقاً.. فإن كان عبداً لنفسه أو لدنيا أو لشهواته لم يكن صادقاً.
إنما العبد الحق لله - عز وجل - من أعتق أولاً من غير الله تعالى فصار حراً مطلقاً، فإذا تقدمت هذه الحرية صار القلب فارغا فحلت فيه العبودية لله، فتشغله بالله وبمحبته.
ثانياً: الصدق في النية والإرادة:
ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو ألا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازحه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبا.
كما ورد في حديث الثلاثة "يسأل العالم: ما عملت فيما علمت؟ فقال: كذا وكذا، فقال الله تعالى: كذبت بل أردت أن يقال: فلان عالم"، فإنه لم يكذبه في العمل لكن كذبه في الإرادة.
ثالثاً: صدق العزم
إ الإنسان قد يقدم العزم على العمل فيقول في نفسه:
- إن رزقني الله مالا تصدقت.
- إن لقيت عدوا قاتلت.
- إن أعطاني الله ولاية عدلت ولم أظلم.
قد تكون هذه العزيمة جازمة صادقة، وقد تكون فيها ميل وتردد وضعف، والصادق هو الذي تصادف عزيمته في الخيرات كلها قوة تامة، ليس فيها ميل ولا ضعف ولا تردد.
رابعا: صدق الوفاء بالعزم
إن النفس قد تسخو بالعزم في الحال إذ لا مشقة في الوعد، فإذا حصل التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة وهذا يضاد الصدق قال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}(الأحزاب: من الآية23).
خامساً: الصدق في الأعمال:
أن يجتهد حتى تدل أعماله الظاهرة على ما في باطنه، وهذا لا يؤدي إلى ترك الأعمال الصالحة. ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته لا يرائي ولكن باطنه قائم في السوق.
إن مخالفة الظاهر للباطن إذا كانت عن قصد سميت رياء، يفوت بها الإخلاص، وإن كانت عن غير قصد يفوت بها الصدق.
كان الحسن البصري إذا أمر بشيء كان من أعمل الناس به، وإذا نهى عن شيء كان من أترك الناس له.