أولًا : الأدلَّةُ من الكتاب والسنة والعقل على ثبوت الأسماء والصفات .
ثانيًا : منهج أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله وصفاته .
ثالثًا : الردُّ على من أنكر الأسماء والصفات ، أو أنكر شيئًا منها .
أولًا : الأدلة من الكتاب والسنة والعقل على ثبوت الأسماء والصفات أ - الأدلة من الكتاب والسنة :
سبق أن ذكرنا أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام : توحيدُ الرُّبوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وذكرنا جملة من الأدلة على النوعين الأولين : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية . والآن نذكر الأدلة على النوع الثالث : وهو توحيد الأسماء والصفات .
فإليك شيئًا من أدلة الكتاب والسنة : فمن أدلة الكتاب قوله تعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
أثبت الله سبحانه في هذه الآية لنفسه الأسماء ، وأخبر أنها حُسنى . وأمر بدعائه ؛ بأن يُقال : يا الله ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا حي يا قيوم ، يا رب العالمين . وتوعّد الذين يُلحدون في أسمائه ؛ بمعنى أنهم يميلون بها عن الحق ؛ إما بنفيها عن الله ، أو تأويلها بغير معناها الصحيح ، أو غير ذلك من أنواع الإلحاد . توعدهم بأنه سيُجازيهم بعملهم السيئ .
2 - ومن الأدلة على ثبوت أسماء الله من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن لله تسعةً وتسعين اسمًا ، مائة إلا واحدًا ، من أحصاها دخل الجنة . وليست أسماءُ الله منحصرة في هذا العدد ، بدليل ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ هو لَكَ ، سمَّيتَ به نفسك ، أو أنزلتَهُ في كتابكَ ، أو علَّمتهُ أحدًا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ... الحديث . وكل اسم من أسماء الله فإنه يتضمن صفة من صفاته ؛ فالعليمُ يدل على العلم ، والحكيم يدل على الحكمة ، والسَّميعُ البصير يدلان على السمع والبصر ، وهكذا كلُّ اسم يدل على صفة من صفات الله تعالى ، وقال تعالى : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .
عن أنس رضي الله عنه قال : كانَ رجلٌ من الأنصار يؤمهم في مسجد قُباء ، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) حتى يفرغ منها ، ثم كان يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنعُ ذلك في كل ركعة ، فكلَّمهُ أصحابهُ فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى ! فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى ، فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلتُ ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلهم ، وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر . فقال : يا فُلانُ ، ما يمنعُك أن تفعلَ ما يأمرك به أصحابُك ؟ وما حملَكَ على لُزوم هذه السُّورة في كل ركعة ؟ قال : إنِّي أُحبُّها ، قال : حبُّكَ إياها أدخَلَكَ الجنَّة .
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثَ رجلًا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختمُ بـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : سلوه : لأي شيء يفعلُ ذلك ؟ فسألوه ، فقال : لأنها صفةُ الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أخبروه أن الله تعالى يحبه . يعني أنها اشتملت على صفاتِ الرَّحمن .
وقد أخبر سبحانه أنَّ له وجهًا ، فقال : وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .
وأن له يدين ، فقال : لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ .
وأنه يرضى ويحب ويغضب ويسخط ، إلى غير ذلك مما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ب - وأما الدليل العقلي على ثبوت الأسماء والصفات التي دلَّ عليها الشرع فهو أن يُقال :
1- هذه المخلوقات العظيمة على تنوعها ، واختلافها ، وانتظامها في أداء مصالحها ، وسيرها في خططها المرسومة لها ، تدل على عظمة الله وقُدرته ، وعلمه وحكمته ، وإرادته ومشيئته .
2- الإنعام والإحسان ، وكشف الضر ، وتفريج الكربات ؛ هذه الأشياء تدلّ على الرحمة والكرم والجود .
3- والعقاب والانتقام من العصاة ؛ يدلان على غضب الله عليهم وكراهيته لهم .
4- وإكرامُ الطائعين وإثابتهم ؛ يدلان على رضا الله عنهم ومحبته لهم .
ثانيًا : منهجُ أهل السّنَّة والجماعة في أسماء الله وصفاته : منهج أهل السُّنَّةِ والجماعة من السلف الصالح وأتباعهم : إثباتُ أسماءِ الله وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة ، وينبني منهجهم على القواعد التالية :
1 - أنهم يُثبتون أسماء الله وصفاته كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها ، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني ، ولا يؤولونها عن ظاهرها ، ولا يُحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها .
2 - يَنفونَ عنها مشابهة صفات المخلوقين ، كما قال تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
3- لا يتجاوزون ما ورد في الكتاب والسنة في إثبات أسماء الله وصفاته ، فما أثبته الله ورسوله من ذلك أثبتوه ، وما نفاهُ الله ورسولُه نفوه ، وما سَكتَ عنه الله ورسوله سكَتُوا عنه .
4- يعتقدون أنَّ نصوصَ الأسماءِ والصفات من المحكم الذي يُفهم معناه ويُفسَّر ، وليست من المتشابه ؛ فلا يُفَوِّضون معناها ، كما يَنسبُ ذلك إليهم مَن كَذَبَ عليهم ، أو لم يعرف منهجهم من بعض المؤلفين والكتاب المعاصرين .
5- يُفوّضونَ كيفية الصفات إلى الله تعالى ، ولا يبحثون عنها