الشكر من الاعضاء : 0 عدد الرسائل : 7822 العمر : 54 الموقع : قطر وسام : المزاج : SMS : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com -->
<form method="POS الدوله : البلد : : قطر دعاء : نقاط الاعضاء حسب نشاطهم بالمنتدى : 6033 تاريخ التسجيل : 11/06/2008
إعلانات المنتديات
معلومات الاتصال
موضوع: الاعجاز والبلاغة فى القرآن الثلاثاء أغسطس 19, 2008 2:22 pm
الإعجاز والبلاغة
لقد نشب صراع حاد وعنيف بين علماء البلاغة حول الصور والألوان البلاغية في القرآن الكريم، هل هي معجزة أو غير معجزة ؟
ففريق منهم يرى أنها معجزة، ويجعلها من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، وفريق يرى أنها غير معجزة، وينفي أن تكون من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، ومن هذا الفريق " أبو بكر الباقلاني .
و المسألة تحتاج إلى بحث وتحقيق، وفي هذا الفصل من البحث سأقوم بتحقيقها، وإظهار وجه الصواب فيها فأقول طالباً العون والتوفيق من الله وحده :
إن هذه الصورة والألوان معجزة في القرآن، وإعجازها راجع إلى نظمها، فالقرآن الكريم كما سبق أن وصحنا معجز بنظمه، وهذه الصور والألوان قد اقتضاها هذا النظم المعجز فأصبحت جزءا منه فتكون معجزة ولقد أشار إلى ذلك الشيخ عبد القاهر الجرجاني عندما تعرض لتوضيح الاستعارة في قوله : تعالى " وأشتعل الرأس شيباً " فقال : " إن في الاستعارة ما لا يمكن بيانه إلا من بعد العلم بالنظم والوقوف على حقيقته .
و من دقيق ذلك وخفيه أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى : " واشتعل الرأس شيباً " لم يزيدوا فيه على ذكر الاستعارة، ولم نيسبوا الشرف إلا إليها، ولم يروا للمزية موجباً سواها، هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم، وليس الأمر على ذلك، ولا هذا الشرف العظيم، ولا هذه المزية الجليلة، وهذه الروعة التي تدخل على النفوس عند هذا الكلام لمجرد الاستعارة ولكن لأن يسلك بالكلام طريق ما يسند الفعل فيه إلى الشيء، وهو لما هو من سببه، فيرفع به ما يسند إليه، ويؤتي بالذي الفعل له في المعنى منصوباً بعده، مبينا أن ذلك الإسناد، وتلك النسبة إلى ذلك الأول إنما كان من أجل هذا الثاني، ولما بينه وبينه من هذا الاتصال والملابسة كقولهم : طاب زيد نفساً وقر عمرو عينا، وتصبب عرقاً، وكرم أصلاً، وحسن وجهاً وأشباه ذلك مما تجد منقولا عن الشيء إلى ما ذلك الشيء من سببه، وذلك أنا نعلم أن " اشتعل " للشيب في المعنى، وأن كان هو الرأس فقط، كما أن ما أسند إليه، يبين أن الشرف كان لأن سلك فيه هذا المسلك وتوخى به هذا المذهب، أن تدع هذا الطريق فيه، وتأخذ اللفظ فتسنده إلى الشيب صريحاً فتقول : " اشتعل الرأس " أو " الشيب في الرأس "، ثم تنظر هل تجد ذلك الحس، وتلك الفخامة .؟ وهل ترى الروعة التي كنت تراها ؟ فإن قلت : فما السبب في أن كان " اشتعل " إذا استعير للشيب على هذا الوجه كان له الفضل، ولم بأن بالمزية من الوجه الآخر هذه البينونة ؟ فإن السبب أنه يفيد مع لمعان الشيب في الرأس، الذي هو أصل المعنى، الشمول، وأنه قد شاع فيه، وأخذه من نواحيه، وأنه قد استقر به، وعم جملته، حتى لم يبق من السواد شيء، أو لم يبق منه إلا ما لا يعتد به . وهذا ما لا يكون إذا قيل : " أشتعل شيب الرأس " أو " الشيب في الرأس بل لا يوجب اللفظ حينئذ أكثر من ظهوره فيه على الجملة، ووزان ذلك أن تقول : اشتعل البيت عليه، وأخذت في طرفيه ووسطه، وتقول ": اشتعلت النار في البيت " فلا يفيد ذلك، بل لا يقتضي أكثر من وقوعها فيه، وأصابتها جانباً منه، فأما الشمول، وأن تكون قد استولت على البيت، وابتزته فلا يعقل من اللفظ التفجير للعيون في المعنى، ووقع على الأرض في اللفظ ألبته . ونظير هذا في التنزيل قوله تعالى : " وفجرنا الأرض عيرانا " التفجير للعيون في المعنى وواقع على الأرض في اللفظ كما أسند هناك الاشتعال إلى الرأس . وقد حصل بذلك من معنى الشمول ها هنا مثل الذي حصل هناك .
و ذلك أنه قد أفاد أن الأرض قد كانت صارت عيونا كلها، وأن الماء كان يفور من كل مكان فيها ولو أجرى اللفظ على ظاهره فقيل : " وفجرنا عيون الأرض "، " أو العيون في الأرض " لم يفد ذلك، ولم يدل عليه، ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان فار من عيون متفرقة في الأرض، وتنبجس من أماكن فيها .
من هذا النص يتضح لنا أن عبد القاهر يرجع جمال الاستعارة وشرفها ور وعتها في القرآن الكريم إلى نظمها العجيب البديع، وكم كنت أود أن يتناول هذا الأديب الذواقة الصور والألوان البلاغية في القرآن بهذه العبارة الفياضة وبتك الطريقة البيانية الرائعة التي تشف عن الجمال الأخاذ والإعجاب الرائع الذي يكمن في هذه الصور، وينبع من نظمها العجيب الذي لا يقدر على مثله بشر، ولكنه وقف عند لمحة من لمحاته الجزئية شأنه في ذلك شأن غيره من بلغاء عصره .