الشكر من الاعضاء : 0 عدد الرسائل : 553 العمر : 39 المزاج : SMS :
الدوله : دعاء : نقاط الاعضاء حسب نشاطهم بالمنتدى : 5887 تاريخ التسجيل : 29/11/2008
إعلانات المنتديات
معلومات الاتصال
موضوع: هذا حال اهل غزة الجمعة ديسمبر 12, 2008 3:41 pm
- الرجال يبيتون على الأرصفة والنساء والأطفال بين تلال القمامة
- أبو ناصر تُوفي بعد فشله في الحصول على "الكيماوي"
- عجوز تقول: أعيدوني إلى وطني ولو على رأس صاروخ
- هديل جاءت لتشتري الدواء لزوجها ثم باعته لتأكل بثمنه
رفح- إيمان يس
معبر رفح اسم ارتبط بمعاناةٍ لا تنتهي منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد وترسيم الحدود بين مصر والكيان الصهيوني؛ حيث تم الاتفاق على تقسيم رفح إلى رفح مصرية وأخرى فلسطينية، فكان السلك الشائك يمرُّ بين جدران البيت الواحد يمزقها، كما يُمزِّق قلوب ساكنيه، وبدايةً سُمح للمواطنين بفتح بابٍ لمنزلهم على الجانب المصري وآخر على الجانب الفلسطيني، ثم خُيروا بفتح أحدهما فقط، فاختار كل منهم ما فرضته عليه لقمة العيش، فتشتت أبناء الأسرة الواحدة بين الرفحين، ولم يكن أمام الأحباب سوى أن يتواعدوا للقاء في وقتٍ معين ليتحدثوا عبر مكبرات الصوت؛ حيث كانوا يصطفون بالمئاتِ يوميًّا وتتداخل الأصوات والمشاعر ولا أحد يسمع، مما أدَّى إلى وفاة أحد المسنين كمدًا وحسرةً وهو يرى أبناءه أمام عينيه ولا يستطيع أن يحتضنهم، واستمرَّ مسلسل المعاناة التي تزداد صيفًا مع بدايةِ الإجازات السنوية؛ حيث يخرج من القطاع مَن يريد العلاج، ويعود إليه الطلاب، والعاملون المشتتون في مختلف أنحاء العالم من أبناء القطاع.
وكان آخر حلقات هذا المسلسل هو إغلاق المعبر تمامًا منذ سيطرة حماس على قطاع غزة وحتى الآن، ولم تسمح السلطات المصرية للعائدين بالدخول إلى صالة المعبر حتى لا يتكرر ما حدث بالعام الماضي، عندما اقتحمت المقاومة الفلسطينية صالة المعبر، وسمحت لجميع العالقين بالدخول، فأُضيف إلى ألم الغربة آلام التشرد في العراء بلا مأوى.
ويعيش هذه المعاناة الآن أكثر من 6 آلاف فلسطيني- وقدَّرتهم إحدى الإحصائيات بـ10 آلاف- في أوضاعٍ مأساوية، فقد شُردوا في الشوارع وعلى المقاهي وفي المساجد وتحت الأشجار وأحيانًا عند أهل الخير في رفح والعريش والشيخ زويد.
"إخوان أون لاين" قام بجولةٍ ميدانيةٍ التقى خلالها بعددٍ من العالقين على معبر رفح للتعرف عن قربٍ على حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء.. فاكتشفنا ما يلي:
أمل سيدة عجوز تبلغ من العمر 65 عامًا، خرجت لتُعالَج من تليفٍ في الرئة.. منذ 55 يومًا سيطرت عليها آلام المعاناة التي تعيشها في معبر رفح وغلب عليها في حديثها معنا البكاء المخنوق واكتفت قائلةً بصوتٍ جريح: "أعيدوني إلى وطني ولو أن تقصفوني عبر صاروخ"، ولم تستطع استكمال الحديث معنا من شدةِ ما تُعاني منه.
ولم تكن أمل أسوأ حالاً من عيسى يوسف اللحام الذي يُعاني من شلل رعاش وتبولٍ لا إرادي، وهو الآن يحتضر، تقول ابنته المرافقة له: إن أموالهم قد نفدت، وإنها لا تعرف كيف ستواجه الحياةَ الأيام القادمة إذا استمرَّ إغلاق المعبر؟.
ويُقيم اللحام حاليًا مع آلافٍ مُكدَّسين في الغرف والصالات والطرقات، في مكانٍ لا يصلح لأي حياةٍ آدمية يُطلق عليه فندق السلام، يعيش فيه مَن يستطيع أن يدفع 30 جنيهًا يوميًّا، ومَن نفدت نقوده يترك الفندق ليجلس أمامه، يقضي ليله في المقهى المقابل للفندق ويقضي نهاره نائمًا في أحد المساجد.
حكاية مؤلمة
هذا المكان الذي يُسمَّى بفندق السلام تُوفي فيه منذ بداية هذه الأزمة وحتى الآن أكثر من خمسة مرضى، كان آخرهم فرج عيسى أبو ناصر 40 عامًا من مخيم جباليا، الذي كان يُعاني من سرطان وعندما حان موعد جرعة الكيماوي قرر الرجوع إلى القاهرة إلا أنه لم يستطع الوصول إلى القاهرة؛ لأن السلطات منعت دخول الفلسطينيين أو خروجهم من العريش، فازدادت حالته سوءًا يومًا بعد يوم، حتى توفاه الله، ورغم ذلك لم تنتهِ معاناته بل استمرَّت حتى بعد وفاته، فكان أهله يحملونه كل يومٍ في سيارة الإسعاف من التاسعة صباحًا حتى وقتٍ متأخرٍ من الليل، محاولين المرور به ولو من معبر كرم أبو سالم الخاضع للرقابة الصهيونية والذي يمثل المصيدة لكل مَن له صلة بالمقاومة، لكنهم لم يتمكنوا.
وعندما التقينا بنبيل ابن أخيه وأحد مرافقيه صرخ قائلاً: "أُحمِّل السلطاتِ المصرية والفلسطينية والصهيونية مسئولية وفاة عمي"، مضيفًا "حتى سيارة الإسعاف لم ترحمنا، كل يوم ندفع 120 جنيهًا أجرة الانتقال من المستشفى حتى المعبر".
ولم يكن هذا مصير أبو ناصر فقط؛ فقد لقي نفس المصير من قبل أبو زياد مرشود البالغ من العمر 73 عامًا، الذي سمحت السلطات بمرور جثته مع مرافقيه من معبر كرم أبو سالم بعد أسبوعٍ من وفاته.
انتقلنا إلى خالد وشاح الذي جاء مرافقًا لأخته لتلقي العلاج أيضًا، فقال وهو منكسر الصوت: "منذ أربعين يومًا وأنا أنام في الشارع وتركتُ أختي عند أهل الخير، لكني لا يمكنني أن أثقل عليهم أكثر من ذلك".
وسط القمامة والفئران
وبينما يقضي الرجال وقتهم في المقهى، تقضي النساء يومهن على الرصيف، ثم يذهبون للنوم ليلاً في مكانٍ مخصص لإلقاء القمامة؛ حيث قاموا بجمع القمامة في أحد أركان المكان، وافترشوا الأرض فيما تبقى منها.
وفي جولة المشاهدات الميدانية لـ"إخوان أون لاين" وجدنا عشر نساءٍ بأطفالهن ينمن في هذا المكان الذي لا يفصله عن الشارع سوى سور له باب حديدي قديم جدًّا، وبالطبع ليس له سقف، أما دورة المياه فهي حفرة في الأرض، وعندما اقتربنا منهن قالت هدى 35 عامًا (أرملة): جئتُ لأعالج ولدي محمد 8 سنواتٍ وهو مصاب في قصف، وعبد الله 5 سنوات يعاني من أزمة ربو، وتساءلت هدى مستنكرةً: أين إخواننا في مصر الشقيقة مما يجري لنا، الفئران تشارك أطفالي نومهم؟!.
وقالت هيام 37 عامًا: جئتُ للعلاج وحدي وليس معي سوى الله، والآن أذهبُ كل يومٍ إلى رفح حتى يستطيع أهلي الاطمئنان عليَّ، بواسطة الجوال الفلسطيني الذي يصل إرساله إلى هناك، لكني في أثناء هذه الرحلة لا بد أن أمرَّ على الخروبة، وهي نقطة تفتيش تقع في منتصف المسافة بين رفح والعريش، وهي من أشد نقاط التفتيش في مصر كلها، ولا يسمحون لي بالمرورِ إلا بعد توسلات، على أن أترك جواز سفري لديهم ضمانًا لعودتي.
وفي الشيخ زويد (التي تقع بعد نقطة تفتيش الخروبة قبل رفح) لم يكن الحال أفضل، فهذه "مها" خرجت لتقترض من أخيها في القاهرة وتركت أولادها عند أهل الخير، وعند عودتها من القاهرة، أجبرتها السلطات على النزول من الحافلة عند نقطة تفتيش شمال سيناء؛ حيث فوجئت بقرار منع دخول الفلسطينيين، وأمرت السلطات السائق بألا يسمح لهم بالركوب معه من القاهرة، وقالت لنا "مها" قضيتُ يومي أفكر في مصير أبنائي الذين تركتهم في العريش، وفي الساعة العاشرة مساءً، رقَّ لحالي أحد المسئولين في نقطة التفتيش وسمح لي بالمرور خلسةً.
أما عبد الهادي وهو طالب في السنة الثانية كلية زراعة جامعة القاهرة، فقال إنه جاء لمصر لتجديد الإقامة؛ لأن والدته مصرية لكن هذا لم يشفع له، فعند عودته للعريش كان المعبر قد أُغلق مما اضطره للعمل (جرسون) في أحد المطاعم حتى لا يمد يده لأحد، وأضاف قائلاً إنه ينام على البحر مع خمسة من زملائه.
وعلى العكس من كلِّ هؤلاء فاجأتنا سالمة محمد أبو مصطفى أرملة تبلغ من العمر 48 عامًا بقولها: "لن نقول لكم نريد أن نعود، سنصبر ونتحمل، ولكن ما ذنب المرضى؟! اسمحوا للمرضى بالدخول، ولا يهم ما سيحدث بعد ذلك"، واستكملت قائلةً "خرجت لحضور مؤتمر سنابل لتمويل المشاريع الصغيرة في اليمن، وكنت قد اقترضت مبلغًا لعمل مشروع تصنيع مواد غذائية (زعتر، ودقة، جرش حبوب)، وحصل مشروعي على المركز الأول، فتلقيت دعوةً لحضور المؤتمر ليستفيد من تجربتي آخرون.
باعت الدواء لتعيش بثمنه
وفي رفح، جلست "هديل" في مكانٍ لا يختلف عن ذلك الذي تجلس فيه أخواتها في العريش، قالت هديل: زوجي مصاب بجلطة ويحتاج إلى علاجٍ غير موجود في غزة، وطلب مني الطبيب السفر إلى مصر لشرائه، وعند عودتي وجدتُ المعبر مغلقًا، وأنا الآن بعتُ الدواءَ الذي جئتُ لشرائه كي أعيش من ثمنه، ومنذ 33 يومًا وأنا على هذا الحال، وأضافت: جاء معي أخي المصاب بقصورٍ في الكلى، لكنه يقيم الآن عند الطبيب المعالج له؛ لأن حالته حرجة ويحتاج إلى عناية خاصة.
وإلى جوار هديل جلست سناء أبو شلحة البالغة من العمر 25 عامًا، مصابة بتليفٍ في الرئة وجاءت للعلاج وتركت ثلاثة أبناء أكبرهم 4 سنوات وأصغرهم 7 أشهر، تركتهم في رعاية الله أولاً ثم رعاية أمها، بينما قالت ميرفت شعث 42 عامًا (مطلقة) إنها لا تعرف أين ابنتها الآن، فهي معاقة وقد تركتها في المنزل وحدها، وجاءت لشراء بعض الملابس لتبيعها في غزة، واضطرت لبيعها مرةً أخرى لتواجه تكاليف الحياة.
في الخيام
على الحدود وقريبًا من معبر رفح، ينتظر مجموعة من الفلسطينيين مصيرهم المجهول، فهم الفتحاويون الهاربون من غزة بعد تطهير حماس للأجهزة الأمنية، وهم على الأرجح أصحاب ملفات سوداء وهناك تتحفظ عليهم القوات المصرية ولا تسمح لهم بالدخول، فهم لا يملكون أي وثائق رسمية، وقد ضربوا الخيام وأقاموا في أرضٍ تابعةٍ لأحد الأهالي، ينتظرون المجهول.
محتجزون ولكن
وفي العودة إلى مطار العريش حيث المحتجزون الذين بلغ عددهم 120، يصومون النهار ويقومون الليل ابتهالاً إلى الله أن يُفرِّج عنهم هذه الأزمة.
تجدر الإشارة إلى أن المشردين في العريش حاولوا التجمع والاعتصام بالقربِ من فندق السلام، ليكون لهم مكان محدد فتلتفت لهم منظمات حقوق الإنسان وهيئات الإغاثة إلا أن قوات الأمن المركزي فرَّقتهم بالقوة!!